جلال الهجرسي: "عطر" أداء مصري يرقى للعالمية




المُبدع المسرحي
أ. جلال الهجرسي .
سالخير عليكم - في الجمعة 15 يوليو 2016 شاهدت عرض العطر على مسرح الطليعة, والحقيقة انبهرت بالتجربة لانها تعتمد على ممثلين ( صم وبكم ), مع ممثلين طبيعيين عبر مجموعة من اللوحات المسرحية, التى يتوازى معها فيلم فيديو معروض فى خلفية الصورة المسرحية, ملخصة نسيان احدى الفنيات ( الصم ) لحقيبة يدها على سيارة .. وعند ادراكها لضياع الحقيبة بادرت بطلب رقم هاتفها المحمول الموضوع بالحقيبة ليرد عليها شاب ( متكلم ) لايفهم لغة الاشارة ويعجز عن التواصل معها كى يوصل لها حقيبتها .. الا ان صورتها الجميلة تبهره ويقع فى حبها فيرسمها بورتريه, ويجلب زجاجة عطر للتعبير عن مشاعره تجاهها, ويتعلم لغة الاشارة ليصير بينهما حب وغرام حتى يلتقيا, يتم تقسيم قصة فيلم الفيديو كفواصل بين لوحات مسرحية تدور احداثها فى لقاء بين فريق تمثيل عادى, مع فريق تمثيل من الصم والبكم فى صالة التدريبات المؤجرة, وبعد الاندهاش من فريق التمثيل المسرحى من الصم, فكيف يؤدون ادوارا تستلزم الكلام والصوتيات الابداعية, يقرر الفريقان الاندماج للقيام بعمل مسرحى مشترك بينهما بشرط تعليم لغة الاشارة, وتتوالى اللوحات من مسرحية هملت شكسبير تارة ومن رغبة الفنانين فى التعبير عن أزمتهم الانسانية الاجتماعية, فى عرض مسرحى, والناتج حالات إبهار ادائية مصحوبة بلغة الاشارة من النوعين من الممثلين, وترجمة صوتية مصاحبة لممثلى الصم الى جانب أن المؤدى الاصم يؤدى بالاشارة, وأغلب جمهور الصالة من الصم المتفاعلين بشدة مع كل فنانى العرض, وسط ديكور يتسم بالخطوط الصريحة الحادة, لمكان له باب شرقى اصيل ( باب البيت المصري القديم الاصيل) ويحمل المنظر المسرحي ايقونات من طراز شرقى بحت.

الى جانب اللوحات الاستعراضية الراقصة على ( ميكس ) مزج موسيقى بين الشرقي والغربي, مع الحركة الراقصة التى تستلزم بالضرورة اذن موسيقية في توافق حركى صوتى شديد الانضباط والجمال والابهار واللياقة, ولغة الجسد المعبرة بشدة ووضوح لتنتقل الاحداث من مجرد تمثيل عمل كلاسيكي الى تجسيد الحالة الانسانية, وازمات التواصل بين الصم وغيرهم من الناس فى مشاهد سريعة تتسم بالقطع التليفزيونى أو السينمائي فى مشاهد الحب والحياه الزوجية والمعاملات العامة مع المؤسسات,  لتنتهى بعرض أحلام الصم والبكم الذى يصل عددهم الى 5 مليون مواطن بين الشعب المصرى, يعيشون عزلة ليس لهم أى ذنب فيها, ولهم حقوق إنسانية وإجتماعية وسياسية مثل اي مواطن عادي, فى رسالة لمح العرض اليها منذ بدايته. وكان للمنظر المسرحى الباع الاكبر فى الايحاء بالافكار عبر الخطوط البيضاء المضلعة مع الاضاءة والمتعارضة بالتعامد والتي ساعدت المخرج بشدة من بياضها فى فصل الاماكن وتلوينها لصناعة الاثر الانسانى العميق, وتنتهى اللوحات الدرامية خفيفة الظل بشكل عام مع نهاية احداث الفيلم تركيزا على زجاجة العطر كرمز للمحبة, كل التحية للمخرج والمؤلف محمد علام ومهندس الديكور مصطفى حامد ولمدربة لغة الاشارة ... فاصبح من خلال هذا العرض لدى مصر فنانين ممثلين عظماء متمكنين من لغة الاشارة جامعين بينها وبين الاداء التمثيلي دون اى اصطناع او تعارض .. وكذلك ممثلين عظماء من الصم لديهم القدرات الفائقة على التعبير الانسانى فى لغة درامية الى جانب لغة الاشارة وتغلغل روح الموسيقى الى ارواحهم واحساسهم ومشاعرهم لتصل بمنتهى السهولة واليسر الى المتلقى فى صالة العرض بنوعيه الاصم والمتكلم. وبفضل العرض ايضا ارتاد الصم والبكم مسرح الطليعة واعتاد طاقم عمال صالة المسرح على التعامل معهم, ولا شك ان هذه التجربة تطلبت جهودا خاصة جدا فى تعلم لغة الاشارة واستخدامها فى جماليات مسرحية ضمن لغة الجسد وهذه اضافة رائعة .. تستحق الاشادة والتكريم للفنان محمد علام وكل الفريق.

بقي ان نناقش الاصطلاح ( مسرح الديجيتال ) هل هو مذهب جديد ام مجرد اليات حديثة فى الاخراج المسرحي معتمدا على تقسيم المشاهد والمؤثرات المسرحية بسرعة الديجيتال فى تكنولوجيا الميديا الحديثة, فى الحقيقة يحتاج الامر الى دراسة اصطلاحية للوقوف على التعريف العلمي الجامع المانع, كل التحية الى جميع فنانى العرض على السواء ( هاني - غريب - سيف - صفوت - حمادة - جمال - احمد - لقاء - نورا - نور - مادونا - اية), مايميز هذا العرض بساطة ووضوع الخطاب المسرحي وجمالياته الرائعة وخليط الضوصولونيا ( الضوء / الصوت / اللون ) المتوافق فى هارمونية رائعة الاداء والمذاق, حالة انسانية صادقة وامينة جدا فى طرح قضية حقوق الصم فى اهمية تعليم لغة الاشارة والوعى الصحى العام فى رعاية الطفولة لانقاذهم من صم الاذن والكلام, إلا أن النفس الانسانية تحمل الكثير من الامكانيات وهى نعم من الله تعالى, يستطيع الانسان ان يتعايش عبرها تحت اى حال وظرف, كما يصلح العرض بالتاكيد فى جميع دول العالم لعالمية لغة الاشارة والترجمة الصوتية التى دخلت فى السيج الدرامي للعرض, كل التحية لادارة مسرح الطليعة بقيادة المدير الواعى الفنان احمد السيد وطاقم الادارة ... الى جانب كتيبة الفنيين الرائعة والمتميزة فى مسرح الطليعة فهم ثروة قومية غالية جدا ولهم منى كل التحية والتقدير.

جلال الهجرسي: "عطر" أداء مصري يرقى للعالمية
صورة من عرض مسرحية عطر





التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات: