حمدي الشامي يكتب لـ حق الوطن:
بدايةً يجب الإنتهاء إلى أن الفساد موجود, ورغم أنه سُنة الحياة إلا أن فرضية مُكافحته هو شريعة الحياة وما بعد الحياة, تلك هي نواميس الكون,
التي يجب أن يعرفها كل من يتملص ويتهرب من المسئولية بحُجة "الفساد موجود طالما وُجدت البشرية" كما صرح معالي وزير التنمية المحلية من قبل. وعلى الجانب الآخر, هل الفساد أمر مُسلم به لتلك الدرجة !, وهل مُجتمعنا مريض بـ "فوبيا الفساد وإنعدام الثقة"؟, سؤال يحتاج إلى التفكير قبل الإجابة, ويحتاج تفكير قبل النُطق بالإجابة, ويحتاج تفكير أثناء الإجابة, فالأمر يصل في تعقيده إلى أدق تفاصيل قطاعات المُجتمع المصري المُختلفة, الحكومية والخاصة, العامة والفردية, والمسئولية الشعبية منها والرسمية. لتصل أهميته في أقصاها إلى ضرورة دراسة تلك الظاهرة بأسرع وقت مُمكن, لاسيما إحتواءها على حتمية الإندماج السلبي مع الأمن القومي المصري.
تعريف "فوبيا الفساد" من وجهة نظري, هي شك النظام المُجتمعي العام في قيمة وعدالة توزيع الموارد والخدمات والحقوق في دولة ما, وفي رأيي كانت "فوبيا الفساد" مرحلة تمهيدية أو سابقة لـ "فوبيا إنعدام الثقة", وكلتاهما موجودتان في المُجتمع المصري, ومدى انتشارهما بين جموع الشعب غير معروف بالنسبة لي, فالأمر يحتاج لأكثر من دراسة, ولكن قوة تأثيرهما على المُجتمع سلباً لها إشارات عدة يعلمها القاصي في رئاسة الوزراء والداني في بلدية أصغر حي في مصر, وكأن الغرض منها - حتى لو كان غير مقصود - تشكيك المواطن المصري في أدق تفاصيل حياته وإنتماءه, لدرجة وصلت إلى "سب الدين" لمصر في مرحلة ما من حياة مصر الحديثة, والتي سبقت 25 يناير بسنوات قليلة, مما يأخذ منحنى شديد الخطورة أن ذلك الأمر تم التركيز عليه عن قصد, حتى ولو كان وجوده فعلي كان إيصاله للمواطن بطُرق شعبية, وصحافية, وإعلامية, ودرامية, وسينمائية أمر مؤكد.
وكما ذكرت "فوبيا الفساد" هي المرحلة السابقة لـ "فوبيا إنعدام الثقة", ويُمكن إكتشافهما بالنظر الى عدة مواضع هامة جداً وحساسه في المجتمع, يكون أولها "وجودية قوة إجتماعية متفاوتة لأفراد المُجتمع" وهو أمر لا يصح إنسانياً أو عقائدياً, وهذا العُنصر يرتبط إرتباط وثيق مع التدني الثقافي الإجتماعي والثقافي التواصلي, والثقافي الأخلاقي بالمجتمع, ويختلف تماماً عن "التفرقة العنصرية" - يُتبع في مقال آخر - وثانيها هو "آليات المتناقضات مع القوة الإجتماعية المتفاوتة لأفراد المُجتمع وتأثيرها المُضاد على القوى الأخرى, والمُجتمع ككل", وهي الطُرق والوسائل التي ينفث فيها الفرد عن طاقاته التي تكون في الأغلب طاقات سلبية, تنعكس على عدم الرضاء الشعبي, والتخبط الشرائحي, والإستعلاء على قيمة المواطنة والوطن, ويتم التغلب عليها بطريق المُسكنات عادة, فيما عدا الظروف التلقائية التي تُشتت تلك الآليات وتجعل الأفراد تتجمع على قيمة المواطنة والوطن بسبب أضرار وتهديدات مُحتملة. أما العناصر الباقية, ورغم حدة تأثيرها السلبي, فهي عشوائية تنعكس في ردود أفعال أفراد المُجتمع من لامبالاة وعدم إكتراث بمقدرات المُجتمع رغم نفعها على الجميع.
في كل الأحوال الأمر يحتاج الى دراسات موسعة ومتشعبة ذات منفذ من خارج الصندوق يرقى لطبيعة الإبداع أكثر منه مُجرد إستطلاعات رأي ووسائل إحصائية غير مُطورة للوصول لنتيجة في أمور يشكو منها أولي الأمر, ويجزع من تبعاتها الإستقرار المُجتمعي, وذلك لتفسير ما آلت اليه الأمور في الحقبة الأخيرة من عُمر مصر, فمهما أنكر أي مسئول, ومهما أنكر أي مواطن, نحنُ مُجتمع مُصاب بـ "فوبيا الفساد", حتى وإن وُجد في مواضع فريدة وتحتاج للمُعالجة, تظل هُناك شماعة تحث الفاشلين على إستخدامها (الفساد والمحسوبية والوساطة), حتى أن الفئات التي تتسم بالمستوى الإجتماعي والمالي الممتاز, مُصابون بنفس الفوبيا التي أُصيب بها الفقراء ومحدودي الدخل, ويشعرون أن هُناك حلقة مفقودة في أوضاعهم داخل المُجتمع !, (ولعل) أُوج نباحهم وتأجيجهم ليس بعمل مدفوع كما كنت أعتقد ومازلت مُتشكك, وإنما (قد) يكون الأمر مُجرد إستغلال لذلك المرض بداخلهم, وحثهم على إطلاق تلك الطاقة كما ذكرت سالفاً, كقوة فاعله لها آلياتها ومنابرها وطاقتها السلبية, والتي تعمل في الأغلب ودائماً على بث روح الإحباط وزيادة الضغط النفسي المُعزز لـ "فوبيا الفساد وفوبيا إنعدام الثقة", وصولاً للحظة المرض دون داع بما فيه من سكون حضاري وتنموي, وهو الأمر الذي يؤكد أن هذا مرض حقيقي أُصيب به المُجتمع المصري بدفع من كيان خارجي لا يخرج عن نطاق ألد أعداء مصر خصومة, وأكثر الطامعين ترصدً بمصر وشعبها. ومهما إختلفت آلياته وأتباعه والمدفوعين من الداخل عن طريقة, تظل حتمية وجود المرض أمر لا ينكره أي وطني يُدين بالولاء لمصر.